الرجل الذي نجا من جحيمين نوويين: تسوتومو ياماغوتشي
في عالم مليء بالقصص الغريبة والناجين من الكوارث، تبرز قصة الياباني تسوتومو ياماغوتشي كواحدة من أكثر القصص المدهشة في التاريخ. رجل عادي، كان يعيش حياة بسيطة، لكنه أصبح شاهدًا حيًا على أقسى ما عرفته البشرية من دمار... ليس مرة واحدة، بل مرتين خلال ثلاثة أيام!
---
من هو تسوتومو ياماغوتشي؟
ولد ياماغوتشي عام 1916 في مدينة ناغازاكي، وعمل مهندسًا لشركة "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة". كان في عام 1945 يبلغ من العمر 29 سنة، متزوج ولديه طفل صغير. في صيف ذلك العام، أرسلته شركته في رحلة عمل إلى مدينة هيروشيما للتحضير لمشروع جديد.
---
6 أغسطس 1945: الكارثة الأولى – هيروشيما
بينما كان ياماغوتشي يستعد للعودة إلى ناغازاكي في صباح 6 أغسطس، وبينما كان يسير في الشارع، شاهد طائرة أمريكية تحلق فوق المدينة. في لحظة خاطفة، أضاءت السماء بنور أبيض مبهر، ثم انفجار مدوٍّ هزّ كل شيء.
كانت تلك لحظة إسقاط أول قنبلة ذرية في التاريخ – ليتل بوي.
تعرّض ياماغوتشي لحروق شديدة في الجزء العلوي من جسده، وأصيب بعمى مؤقت، لكنه استطاع الزحف والاحتماء وسط الأنقاض، ونجا من الموت المحقق. بعد يومين، وبالرغم من إصابته، عاد إلى ناغازاكي... لا يعلم أن القدر يُخبئ له المزيد.
---
9 أغسطس 1945: الكارثة الثانية – ناغازاكي
عاد ياماغوتشي إلى العمل في ناغازاكي، وذهب ليحكي لزملائه عن هيروشيما، بينما هو لا يزال مضمّدًا بالحروق. لم يصدقه أحد تمامًا، بل اتهمه البعض بالمبالغة.
وفجأة، حدث ما لا يصدق...
تكررت المأساة، وهذه المرة كانت القنبلة الثانية – فات مان – التي أسقطت على ناغازاكي، على بعد أقل من 3 كيلومترات من مكان وجوده!
رغم شدة الانفجار الثاني، نجا ياماغوتشي مرة أخرى، وكانت الإصابات أقل حدة. نُقل إلى ملجأ مع أسرته، ونجوا جميعًا.
---
النجاة مرتين... ولكن بثمن
لم تكن إصاباته الجسدية وحدها هي ما خلفه الانفجاران. عانى تسوتومو لسنوات من آثار الإشعاع: تساقط الشعر، فقر الدم، اضطرابات في الجهاز المناعي، وآلام مستمرة. فقد ابنه لاحقًا بسبب السرطان، ويُعتقد أن الإشعاعات أثرت على صحة باقي أفراد أسرته أيضًا.
ورغم كل ما مر به، لم يكن ناقمًا. بل استمر في العيش بسلام، وعاش حتى بلغ 93 عامًا، وتوفي عام 2010.
---
الاعتراف الرسمي
في عام 2009، وبعد مطالبات طويلة، اعترفت الحكومة اليابانية رسميًا بأنه الناجي الوحيد المعترف به رسميًا من القنبلتين النوويتين. وقد استخدم ياماغوتشي صوته في سنواته الأخيرة للدعوة إلى نزع السلاح النووي عالميًا.
---
رسالة من قصته
قصة ياماغوتشي ليست فقط عن المعاناة، بل عن النجاة والإصرار. رغم أنه واجه أقسى مشهدين في القرن العشرين، إلا أنه لم يفقد إنسانيته، وظل يطالب بالسلام حتى آخر أيامه.